إذا كانت الانتخابات التي جرت بتاريخ 7/5/2012 قد جرت بهدف التأسيس لمرحلة جديدة في ظل دستور أقر التعددية السياسية و قانون أحزاب جديدة سمح بتأسيس أحزاب من مختلف التيارات السياسية، وقانون انتخابات يفترض فيه أن يدخل تغيراً جذرياً في هذه الانتخابات التي تعودنا عليها في السنوات السابقة .
فما الذي تغير في هذه الانتخابات عن سابقتها و بغض النظر عن نتيجتها ؟؟
جرت الانتخابات في مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ البلاد، فالظروف السياسية و الأمنية بالغة الحساسية، وإذا كانت هذه الانتخابات قد جرت في دمشق و بعض المحافظات فإن في بعض المناطق لم يتم إجراءها.
وإذا كان من المفترض أن تتيح هذه الانتخابات الفرصة للأحزاب الناشئة للمشاركة فإن عدد من هذه الأحزاب قد قاطعتها في ظل ظروف عدم تكافؤ الفرص، فالأحزاب الناشئة منحت فترة /60/ يوماً لتضم إلى عضويتها ما يزيد عن ألف عضو من سبع محافظات و بما لا يقل عن خمسين عضواً من كل محافظة، بينما اعتبرت أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أحزاباً مرخصة بحكم القانون و منحت فترة ستة أشهر ثم ثلاثة أشهر إضافية لتسوي أوضاعها وفق أحكام قانون الأحزاب، فهل من المعقول أن تمنح أحزاب لديها قدم في العمل السياسي و المقرات و الكوادر والهياكل و الأنظمة الداخلية بما يزيد عن ثلاثين عاماً فترة تسعة أشهر لتسوي أوضاعها بينما تمنح أحزاب في مقتبل العمر فترة /60/ يوماً لتمنح هذا الترخيص، ثم تدخل كل هذه الأحزاب السباق الانتخابي على قدر المساواة ؟؟؟!!!.
فالمساواة بين هذه الأحزاب في هذه الحالة ليست سوى مساواة نظرية لا تمت إلى المساواة الفعلية بأي صلة !!
فمن الواضح أنه بمتقضى تمديد الفترة الممنوحة لأحزاب الجبهة لتسوية أوضاعها والتي تنتهي بعد إجراء هذه الانتخابات وإعلان نتائجها سمحت لها بدخول هذه الانتخابات مع إمكانية عدم إجراء هذه التسوية يعني "اللي ضرب ضرب و اللي هرب هرب".
و إذا كان الدستور قد نص في الفقرة الخامسة من المادة الثامنة من الدستور على أنه : "لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسية أو حزبية أو انتخابية".
و نصت المادة رقم /33/ من قانون الانتخابات على أنه "لا يجوز لأي موظف عام أو أي من العاملين في الدولة أو لدى وحدات الأدارة المحلية أو رجال السلطة العامة ومن هو في حكمهم أن يقوم خلال الحملة الانتخابية أثناء مزاولة عمله بتوزيع منشورات المرشحين أو برامجهم الانتخابية أو غير ذلك من وثائقهم الانتخابية".
وكذلك المادة رقم /34/ على أنه "يمنع بأي شكل من الأشكال تسخير أو استخدام أي من الوسائل والأدوات المملوكة للدولة ووحدات الإدارة المحلية والجهات العامة وأماكن العبادة في الحملة الانتخابية للمرشح ولا تدخل في ذلك الأمكنة التي تضعها الدولة ووحدات الإدارة المحلية بشكل متساو تحت تصرف المرشحين والأحزاب السياسية".
فإن أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية لم تلتزم بهذا بأحكام هذا الدستور والذي يفترض أن تلتزم به قبل غيرها، فقوائم الجبهة علّقت على كافة لوحات الجهات العامة والمراكز الانتخابية وحتى داخل الغرفة السرية والمفترض أن يتم فيها تعليق أسماء كافة المرشحين ؟!!
دخلت أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بقائمة اسمتها قائمة الوحدة الوطنية، فهل تغيير الاسم تضمن تغيير المضمون أم أنها ظلت "هي هي"، فرغم تغيير اسم القائمة فإن المضمون لم يتغير وظل اسم " قائمة الوحدة الوطنية " اسماً بلا معنى إذ يفترض في قوائم الوحدة الوطنية كمثيلاتها في مسمى " حكومة الوحدة الوطنية " أن تضم في عضويتها أعضاء يمثلون كافة التيارات السياسية الناشطة في البلاد بينما ضمت هذه القائمة أعضاءً من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية فقط، وبمحاصصة سياسية انتخابية لم تتغير اللهم إلا في زيادة حصة حزب البعث العربي الاشتراكي من هذه المحاصصة.
وإذا كان قانون الانتخابات قد نص في مادته رقم /31/ الفقرة ب على أنه "لا يجوز لصق أو تثبيت أو عرض الصور والبيانات والنشرات الانتخابية على جدران الأبنية العامة أو الخاصة ودور العبادة أو خارج الامكنة المخصصة لها ولا تجوز كتابة أسماء المرشحين أو أي دعاية انتخابية على الجدران تحت طائلة المساءلة القانونية".
فإن الصور واللافتات التي غطت شوارع و ساحات دمشق وعدد من المحافظات والتي غصت بها الجدران والأعمدة والأشجار وأي فراغ يمكن أن يتسع لصور مرشح واحد، بما يمكن أن نشبهه بمعرض صور مفتوح، ولكن للأسف لم يحمل هذا المعرض أي مسحة من مسحات الجمال أو الزينة، بل كان عبارة عن فوضى إعلامية شديدة التلوث البصري.
كما نصت المادة رقم /30/ من قانون الانتخابات على أنه "توقف الدعاية الانتخابية قبل أربع وعشرين ساعة من التاريخ المحدد للانتخاب و لا يجوز لأي شخص أن يقوم بعد توقف الدعاية الانتخابية بنفسه أو بوساطة الغير بتوزيع برامج أو منشورات أو غير ذلك من وسائل الدعاية الانتخابية."
إلا أن أحداً من المرشحين أو القوائم الانتخابية قد التزم بهذا النص بما فيها قائمة الوحدة الوطنية و التي يفترض كما أسلفنا أن تلتزم بأحكام القانون قبل غيرها، فالقوائم المطبوعة والجاهزة كانت توزع على أبواب مراكز الاقتراع إن لم نقل أن هذه الأوراق كانت توزع داخل هذه المراكز، و وكلاء المرشحين بلباسهم الزاهي الموحد من سترات وقبعات وأقلام على أبواب كافة المراكز ألا يعتبر دعاية انتخابية، حتى الدعاية الانتخابية بصورتها الجديدة هذا العام على قنوات التلفزيون استمرت حتى يوم الاقتراع منها قناة حلب الفضائية و قناة اليسارية الفضائية، إضافة إلى عدد من مواقع الانترنت.
وقد نصت المادة رقم /29/ الفقرة ج على أنه "لا يجوز أن تتضمن الدعاية الانتخابية ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة."
ونفاجئ بلافتة لأحد المرشحين على مدخل جامعة دمشق باللغة الإنكليزية ؟؟!! مع أن اللغة الرسمية في الدولة هي اللغة العربية بنص الدستور، فهل وصلت درجة الثقافة و البهرجة والانسياق للغرب لتتم مخاطبة المواطنين بالغة الإنكليزية أم أنه "كل فرنجي برنجي" ألا يعتبر ذلك مخالفة لأحكام الدستور و النظام العام، نحمد الله أن هذا المرشح لم ينجح، وإلا فماذا نتوقع منه.
أما عن حجم الإنفاق المالي للدعاية الانتخابية فحدث ولا حرج فالمال كان ولا يزال أساس كل دعاية انتخابية، فإن كان التحايل على هذا الموضوع من خلال كتابة عبارة "مقدمة من فلان ..." على اللافتات فهل يمكن أن نتصور حجم هذا الإنفاق إذا تم دفع مبلغ ثلاثة آلاف ليرة لكل مندوب إضافة إلى الطعام واللباس الموحد!!!.
أما عن مجريات العملية الانتخابية وبعد أن تم اعتماد البطاقة الشخصية وسيلة وحيدة لممارسة حق الانتخاب بدلاً عن البطاقة الانتخابية واعتماد الحبر السري وسيلة لاثبات هذا الحق فهل تم الالتزام بغمس اصبع الناخب في عبوة هذا الحبر أم أن ذلك يعود لمدى أهمية الناخب ورغبته بعدم تلويث اصبعه او اصبعها بهذا الحبر الذي يستمر أثره لعدة أيام.
بنفس الوقت هل التزمت لجان الانتخاب المشرفة على الصناديق بتوجيه الناخبين من أبناء محافظة القنيطرة للانتخاب في المراكز المحددة لهم وكذلك هل تم منع العرب الفلسطينيين من ممارسة انتخاب باعتبار أنه لا يحملون حق الانتخاب، بعض اللجان تفتحت قريحتها على السماح لهؤلاء بالانتخاب فإذا حصلت مشاكل يعتبر انتخابهم باطلاً و تعتبر مظاريفه زيادة عن المظاريف الصحيحية فيتم إتلاف المظاريف إذا كانت نسبة المظاريف الباطلة بنسبة 5% من عدد المظاريف و يتم إتلافها بصورة عشوائية فإذا كانت من القوائم المدعومة لم يتم خسران شيء وإذا كانت من القوائم غير المدعومة فكفا الله المؤمنين القتال ؟؟!! هذا إذا تم فعلاً إتلاف الظروف الزائدة بصورة عشوائية.
إن كل هذه المخالفات نضعها برسم اللجنة العليا للانتخابات باعتبارها الجهة المشرفة على هذه الانتخابات راجين أن تمارس عملها باستقلالية تامة و بمهنية عالية وبسلطة قضائية نتمنى ان نثق بها .
في ختام كل هذه الملاحظات والسلبيات السابقة الذكر فإن لهذه الانتخابات بعض الآثار الاقتصادية الإيجابية التي لابد من ذكرها.
فقد حركت هذه الانتخابات سوق المطابع و الخطاطين والشركات الإعلانية، وعدد كبيراً من العمال البسطاء و طلاب الجامعات الذين قاموا بلصق الصور وتعليق اللافتات والقيام بمهام المندوبين الذي نفرح لهم من كل قلوبنا لأنهم استفادوا من هذه العملية، وكذلك المطاعم الذي تحرك سوقهم بشكل كبير في يوم الاقتراع .
ونأمل أن يزداد هذا الأثر الإيجابي لهذه الانتخابات وبما يضمن إزالة جزء من أثارها السلبية والمتمثل بالتلوث البصري وخصوصاً في العاصمة دمشق، من خلال قيام المحافظات والوحدات الإدارية بحملة تنظيف كبرى من خلال تشغيل عمال لإزالة الملصقات من على الجدران، ونزع بقايا حبال اللافتات من على الأشجار و الأعمدة، وإعادة تنظيف الشوارع من هذه البقايا و طلاء الجدران وأماكن لصق هذه الملصقات، و بما يضمن تشغيل عدد كبير من العاطلين عن العمل و لفترة جيدة من خلال شركات التنظيف أو متعهدين متخصصين، أما التمويل فسهل من خلال تطبيق أحكام قانون الانتخابات الذي فرض عقوبات على المخالفين وطالبهم بإزالة هذا الضرر.
التوقيع : مراقب