مقالات وتحليلات  
بين 7 نيسان (1947) و 26 شباط (2012) .. قومية زائفة ومنطلقات حالمة .. بقلم : سونيا عزّام  - 2012/04/07
الكاتب: خالد عياش ، المصدر: نقلاً عن سوريا نيوز   |  التعليقات   |    |    | 

من أكثر ما فتك بنا, نحن السوريون, تلك الأحلام التي كان يحلم بها منظرونا ويريدون تطبيقها على واقع لا يمكن معه تطبيق هذا النوع من الأحلام المسترسلة في السقوف العالية. وإذا تساءلنا سؤالاً مشروعاً بعد خمسين عاماً من النضالات الدونكيشوتية حول ما فعلته القومية في بلادنا لرأينا تجاذباً كبيراً بين العاطفة والعقلانية.

فمنذ استلام حزب البعث مقاليد السلطة في سوريا طرح منطلقات (نظرية) لم تجد لها مستقرات (عملية) في كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل كانت تلك المنطلقات ( النظرية ) في حقيقة الأمر ستراً لمستقرات مصلحية منفعية, تستخدم للمزاودة في التغطية على ممارسات قوة النفوذ التي تمهد للخروج عن القانون عبر المحسوبية والواسطة وغيرها من أفانين التسلط.

هل أنهت تلك المنطلقات الاحتلال الصهيوني لفلسطين والجولان ؟
هل أسهمت تلك المنطلقات في تطوير الاقتصاد السوري ؟
هل دعمت مفهوم الانتماء لدى المواطن فقدس واجباته قبل حقوقه ؟
...............

إن كل المسالك التي انتهجها القوميون البعثيون أدت إلى الكفر بالمبادئ القومية التي طالما نادوا بها عبر الشعارات والأناشيد القومية الحماسية والمسيرات المليونية والمهرجانات المؤيد منها والمندد, حتى أدرك هذا الجيل الجديد أن كل ذلك كان سراباً, لأن هذا التمجيد العظيم للقومية لم يكن يرافقه أي عمل على الأرض لتحقيق ما كان يُنادى به, بل الأنكى من ذلك أن هذا الجيل وجد أن هناك بناء محكماً للفساد الإداري, وقمعاً أمنياُ, وتشتتاً اجتماعياً, وهدماً للبنى التحتية, أرسل سوريا إلى عوالم الجهل والتخلف بعيداً عن ركب العالم المتسارع في تحضره وتطوره.

بعد خمسين عاماً على استلامه مقاليد السلطة في البلاد وعدم تحقيقه أياً من الأحلام القومية التي زخرت كتبه وشعاراته بها قدم حزب البعث دليلاً عملياً على أنه كان حبلاً واهناً حاول الشعب المكسور والمطحون ومهدور الحقوق التمسك به فانقطع وهوى في ادعاءات الاشتراكية التي جوعته والحرية التي لم يرها إلا في خطب المسؤولين المفوهين. لقد قبل هذا الحزب بكل بساطة أن يستغني عن دوره القيادي للأمة بشطبة قلم لفقرته الثامنة من الدستور دون أدنى دفاع أو رفض لهذا الشطب. واللافت أن البعثيين الذين كانوا ( لجاناً ) على صناديق الاستفتاء على الدستور الجديد الذي ألغى قيادتهم, كانوا يحثون المستفتين وبكل قوة على القول نعم للدستور الجديد الذي أطاح بقيادة حزبهم للدولة والشعب.

نعود مرة أخرى إلى الأسئلة التي حيرت الكثيرين في وطننا ومازالت
هل القومية دولة مخابرات وقمع وفساد اقتصادي وزائري ليل ؟
هل القومية عنف السلطة وقتل الأبرياء في حروب وحلول خاسرة ؟
هل القومية في دك المدن دون الاحتكام إلى العقل ونبذ العنف ؟

فباسم القومية مات الكثيرون من أبناء وطننا.وباسم القومية تشرد مبدعون ومفكرون. وباسم القومية هُجرت عائلات بأكملها وتقطعت بها السبل. وباسم القومية صار لدينا مخيمات لاجئين في دول الجوار, وباسم القومية يتم تأليب جزء من الشعب على جزء آخر ونعته بأحقر الصفات. وباسم القومية تم تشريع الكذب الإعلامي لمواجهة المؤامرات الكونية على قوميتنا وحضارتنا ومجدنا التليد.

قد يطول الحوار حول المبادئ القومية ويتشعب بين مؤيد ومعارض لها, ولكن ذلك لن يكون له صدى دون الربط مع التطبيق على أرضية الواقع, وبأمثلة متعاقبة, نجد أنه لا بد من الكفر بتلك الأحلام الوردية التي وأدها حالموها وهي في مهدها. لقد بقي القوميون الحالمون يعيشون في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مع دخول القرن الواحد والعشرين وتناسوا أن تطور التاريخ سيجعلهم خارجه إذا بقوا متجاهلين تيارات العولمة واقتحام المعلوماتية والتغيير الحتمي لمكانة الإنسان في أمته بحصانة الحقوق والعدل والمساواة. وليس سراً أن فشل هؤلاء ودعواتهم وشعاراتهم كان أحد أسبابه رفض الخروج من القيود التي ألزموا أنفسهم بها وترسيخهم للجمود وعدم مواكبة المجتمعات التي أدركت معنى وأبعاد ما بعد القومية وهي بناء الدولة والإنسان, وجعل مصالحهم الخاصة هي الهدف الأسمى دون النظر في مصالح الدولة والشعب.

لقد عرفت دول العالم المتحضر وأحزابها القومية المعاني الحقيقية للقومية  فكان هدفها في تطوير الإنتاج وتحريك عجلة النهضة بزج الشباب في آتون الخبرات وتبادلها لتحقيق حياة الأمن والرخاء للشعوب, وليس في ملء خزائن الأنظمة بالأموال بينما تتضور شعوبها جوعاً. وليس بتشريد الأطفال على إشارات المرور في الشوارع الراقية التي يسكنها المنادون بالمقاومة والممانعة, وليس بدوائر الدولة التي يعشش فيها الفساد حتى باتت شركات للخاصة المدللة من القوميين الذين لاهم لهم سوى ملء الجيوب والتحضير للاحتفالات القومية ونصب الأعلام وتعليق اللافتات التي لم تحقق لنا سوى مزيداً من الهدر في الميزانية القاصرة أصلاً, وليس بإعلام مزيف ينخر في عقول الشعوب المحكومة بالحديد والنار, وليس بمناهج تعليمية تغلب العاطفة على العقل وتتبدل فيها حتى الثوابت مثل التاريخ والجغرافيا حسب مزاج الأنظمة واتجاهاتها دون أي حساب لمنطق الواقع ولحقوق الشعوب في أن تكون سليمة فكرياً بعيداً عن التلفيق في المناهج الدراسية والتربوية.

نعم لقد عرفت دول العالم المتحضر أن القومية هي في الانفتاح والتحاور مع كل دول العالم بالمنطق والحجة وليس بالعنجهية الزائفة والعنتريات الفارغة.لقد اسقط القوميون كل دعاوى الديمقراطية في وطننا والتي طالما تلحفوا بأرديتها المزورة طويلاً, وطال هذا السقوط حتى مبادئهم القومية الزائفة. وفي الوقت الذي أعلن فيه إمبراطور اليابان ( هيرو هيتو ) في عام ( 1946 ) تنازله عن ألوهيته وتحوله إلى كائن بشري ورفع اليابان إلى الأمم العريقة . بدأ قوميونا يعلنون عن ألوهيتهم, وسحق الأوطان والشعوب تحت وطأة منطلقاتهم النظرية ووصاياهم الإلهية.



التعليقات المدرجة تعبر عن رأي كاتبها ولا يتحمل حزب الأنصار أي مسؤولية عن محتوى التعليقات

 

Copyrights 2010, All rights reserved